سورة المدثر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ} يعني أن سقر لإحدى الأمور العظام، وواحد الكبر: كبرى، قال مقاتل والكلبي: أراد بالكُبَر: دركات جهنم، وهي سبعة: جنهم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية. {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} يعني النار نذيرًا للبشر، قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها، وهو نصب على القطع من قوله: {لإحدى الكبر} لأنها معرفة، و{نذيرا} نكرة، قال الخليل: النذير مصدر كالنكير، ولذلك وصف به المؤنث، وقيل: هو من صفة الله سبحانه وتعالى، مجازه: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرًا للبشر أي إنذارًا لهم. قال أبو رزين يقول أنا لكم منها نذير، فاتقوها. وقيل: هو صفة محمد صلى الله عليه وسلم معناه: يا أيها المدثر قم نذيرًا للبشر، فأنذر وهذا معنى قول ابن زيد. {لِمَنْ شَاءَ} بدل من قوله: {للبشر} {مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ} في الخير والطاعة {أَوْ يَتَأَخَّرَ} عنها في الشر والمعصية، والمعنى: أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن أو كفر. {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} مرتهنة في النار بكسبها مأخوذة بعملها. {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ولكن يغفرها الله لهم. قال قتادة: علق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين. واختلفوا فيهم: روي عن علي رضي الله عنه أنهم أطفال المسلمين.
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس: هم الملائكة.
وقال مقاتل: هم أصحاب الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق، حين قال الله لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وعنه أيضا: هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم، وعنه أيضا: هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم.
وقال الحسن: هم المسلمون المخلصون. وقال القاسم كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد على الفضل، وكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به، ومن اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به.


{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ} المشركين. {مَا سَلَكَكُمْ} أدخلكم {فِي سَقَرَ} فأجابوا {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} لله {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوض} في الباطل {مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} وهو الموت. قال الله عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} قال ابن مسعود: تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين، فلا يبقى في النار إلا أربعة، ثم تلا {قالوا لم نك من المصلين} إلى قوله: {بِيَوْمِ الدِّينِ} قال عمران بن الحصين: الشفاعة نافعة لكل واحد دون هؤلاء الذين تسمعون.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف أهل النار فيعذبون قال: «فيمر فيهم الرجل من أهل الجنة فيقول الرجل منهم يا فلان قال فيقول: ما تريد فيقول: أما تذكر رجلا سقاك شربة يوم كذا وكذا؟ قال فيقول: وإنك لأنت هو؟ فيقول: نعم، فيشفع له فيُشفع فيه. قال: ثم يمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول: يا فلان، فيقول: ما تريد؟ فيقول: أما تذكر رجلا وهب لك وضوءًا يوم كذا وكذا؟ فيقول: إنك لأنت هو؟ فيقول: نعم فيشفع له فيُشفع فيه».


{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} مواعظ القرآن {معرضين} نصب على الحال، وقيل صاروا معرضين. {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ} جمع حمار {مُسْتَنْفِرَةٌ} قرأ أهل المدينة والشام بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسرها، فمن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة، ومن قرأ بالكسر فمعناها نافرة، يقال: نفر واستنفر بمعنى واحد، كما يقال عجب واستعجب. {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال مجاهد وقتادة والضحاك: القسورة: الرماة، لا واحد لها من لفظها، وهي رواية عطاء عن ابن عباس، وقال سعيد بن جبير: هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال زيد بن أسلم: هم رجال أقوياء، وكل ضخم شديد عند العرب: قسور وقسورة. وعن أبي المتوكل قال: هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي حبال الصيادين.
وقال أبو هريرة: هي الأسد، وهو قول عطاء والكلبي، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن هربوا منه.
قال عكرمة: هي ظلمة الليل، ويقال لسواد أول الليل قسورة. {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} قال المفسرون: إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلمك ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه باتباعك.
قال الكلبي: إن المشركين قالوا: يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارتهُ فَأْتِنَا بمثل ذلك والصحف الكتب، وهي جمع الصحيفة، و{منشَّرة} منشورة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5